ضغط سياسي هائل يخنقهم.. قضاة لبنان يلوحون بالاستقالات
منذ أشهر تشهد أروقة قصور العدل في لبنان شبه انتفاضة قضائية ضد التدخلات السياسية التي ظهرت بشكل "فاقع" في ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت من خلال مطالبة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل بشكل علني
منذ أشهر تشهد أروقة قصور العدل في لبنان شبه انتفاضة قضائية ضد التدخلات السياسية التي ظهرت بشكل "فاقع" في ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت من خلال مطالبة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل بشكل علني بتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن الملف والإتيان بقاضٍ بديل، لأنه "يعمل باستنسابية ومُسيّس" على حدّ تعبيرهم.
وأتى بيان "نادي القضاة" في لبنان أمس الجمعة ليعكس حجم هذه الانتفاضة مُطلقاً صرخة دقّ فيها ناقوس الخطر ، مؤكداً "أن المسؤولية الوطنية في أي دولة تستلزم صون القضاء وترفيعه عن المطالبة بمطالبات من أي نوع كانت، لأنه متى انهار القضاء زال كيان الأوطان".
تدمير السلطة القضائية
وفي الإطار، أوضحت مصادر قضائية مطّلعة لـ"العربية.نت": "أن وضع القضاة ليس سليماً، وهناك تململ كبير بين القضاة، ولا من يسأل، بل هناك ضغط سياسي هائل يمارس عليهم من أجل تدمير السلطة القضائية".
كما كشفت "أنه إذا لم يستجب المعنيون مع الصرخة التي أُطلقت فإن الأمور ذاهبة في اتّجاه التصعيد مثل الإضراب المفتوح وصولاً إلى الاستقالات الجماعية للقضاة".
وفي حين لم تنفِ المصادر "أن جزءاً من الأزمة التي يُعانيها الجسم القضائي مرتبط بتدهور الوضع الاقتصادي والمالي الذي أدى إلى تراجع قيمة رواتب القضاة بشكل كبير"، إلا أنها حرصت في الوقت نفسه على التأكيد "أن التدخّلات السياسية شكّلت القطرة التي أفاضت الكأس، مشيرة إلى وجود قانون اسمه "قانون استقلالية القضاء" لا يُنفّذ".
انفجار مرفأ بيروت
وبحسب مراقبين، شكّل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت الشرارة لهذه الانتفاضة القضائية بوجه التدخلات السياسية التي عبّر عنها بشكل علني زعيم حزب الله حسن نصرالله في أكثر من إطلالة، داعياً الحكومة ومعها مجلس القضاء الأعلى إلى إيجاد حل للمحقق العدلي وإلا فإن البلد ذاهب نحو أمور غير سليمة.
وفي السياق، قالت المصادر القضائية "من أجل ملف وحيد (في إشارة إلى مرفأ بيروت) يريدون هدم "العدلية" فوق رؤوسنا من خلال شن حملات سياسية ضد الجسم القضائي".
كما أضافت "للأسف السلطة السياسية عرفت كيف تُعطّل التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من خلال طلبات الرد التي تُقدّم من المدّعى عليهم ضد المحقق العدلي طارق البيطار والقضاة الذين يبتّون بطلبات الردّ".
إجازات مفتوحة
إلى ذلك، لفتت إلى "أن عدداً من القضاة قدّم في الآونة الأخيرة طلبات إجازة من دون راتب وليس استقالة، وذلك من أجل العمل خارج لبنان، لأنهم لم يعدوا يحتملون حجم الضغوط التي يتعرّضون لها من نواحٍ عدة".
لكنها نبّهت من "أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم من ضغوط على الجسم القضائي في ملفات عديدة وتدخّلات في شؤونه، فإن طلبات الإجازة من دون راتب ستزيد".
خطوة جريئة
من جانبه، اعتبر وزير العدل السابق إبراهيم نجّار في تصريح لـ"العربية.نت": "أن البيان الذي صدر عن نادي قضاة لبنان خطوة جريئة ومُستحبة من حيث الشكل، لأنه لم يعتد الكثيرون على أن يرفع القضاء الصوت ضد التدخلات السياسية".
كما أشاد بـ"صمود" القضاء أمام الهجمة السياسية في ملف التحقيقات بانفجار المرفأ، وقد أثبتت القرارات الصادرة في هذا الشأن عن محاكم الاستئناف والتمييز أن هناك قضاة أحرارا وشرفاء وشجعانا لا يرضخون للضغوط". واعتبر "أن تعديل النصوص من أجل تكريس استقلالية القضاء لا يكفي إذا لم يكن هناك قضاة شجعان يحكمون بالعدل فقط".
يذكر أنه منذ أن طلب البيطار استجواب وزراء ونواب حاليين وسابقين ومسؤولين أمنيين بسبب وجود شبهات حول تورّطهم بانفجار مرفأ بيروت، دخل الملف في نفق التعطيل، من خلال طلبات رد (أكثر من عشرين) ودعاوى ارتياب مشروع، وطلبات نقل ودعاوى مداعاة الدولة، تم تقديمها من قبل المدّعى عليهم فتم خلالها كف يد المحقق العدلي عن الملف منذ أكثر من ثلاثة أشهر.