الجاليات التركية بالخارج.. كيف يستغلها أردوغان لدحر "مؤامرات أوروبا"؟

أعاد تقرير نشره مركز أوروبي للأبحاث والدراسات، مسألة محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حشد الأتراك في الخارج واستخدامهم في مشاريع لصالحه، إلى الواجهة مرةً أخرى، بعدما لمّحت شبكة "الأبحاث

الجاليات التركية بالخارج.. كيف يستغلها أردوغان لدحر "مؤامرات أوروبا"؟

أعاد تقرير نشره مركز أوروبي للأبحاث والدراسات، مسألة محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حشد الأتراك في الخارج واستخدامهم في مشاريع لصالحه، إلى الواجهة مرةً أخرى، بعدما لمّحت شبكة "الأبحاث والمراقبة" الإسكندنافية في تقريرها الصادر قبل أيام إلى أن الرئيس التركي "على ما يبدو لا يعترف بازدواجية الجنسية" بعدما دعا أبناء الجاليات التركية والمسلمة إلى تشكيل اتحادٍ لإسقاط ما أسماها "مؤامرات" أوروبا بحق بلاده.

وبيّن التقرير الصادر عن الشبكة الإسكندنافية، التي تتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرّا لها، أن "أردوغان يحاول حشد الأتراك في جميع أنحاء العالم"، بما في ذلك المقيمين والمجنّسين في دول الاتحاد الأوروبي "كأمة واحدة"، وهو بذلك لا يعترف بالجنسيات التي حصلوا عليها أو الإقامات التي بحوزتهم في الدول التي يعيشون ويعملون فيها ويحصلون منها على حقوق التقاعد لاحقاً.

ووصف التقرير تصريحات الرئيس التركي والتي خاطب فيها مسؤولين فيما يسمى بـ"اتحاد الديمقراطيين الدوليين" الشهر الماضي، بـ"الأكثر استفزازاً"، سيما وأن أردوغان كان قد دعا الأتراك والجاليات المسلمة في أوروبا إلى الاتحاد تحت "أمة واحدة وعلم واحد"، مطالباً "اتحاد الديمقراطيين الدوليين" الذي يحظى بدعمه بتوسيع أنشطته.

وشدد باحث مختص في الشؤون الأمنية على أن "حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي يقوده أردوغان ينظر إلى الجاليات التركية في البلدان الأوروبية وإلى الأقليات التركية في دولٍ أخرى كأحد أدوات السياسة الخارجية التي يوظفها هذا الحزب في خدمة مشروعه (العثماني)، ولذلك قام قبل أكثر من عقدٍ من الآن باستحداث مكتبٍ خاص لدى وزارة الخارجية التركية وأطلق عليه مكتب شؤون العالم التركي، بالإضافة لتأسيس رابطة العالم التركي ومراكز للأبحاث وتأسيس ما يُعرف باتحاد الديمقراطيين والدوليين. وكلّ هذا بالطبع خدمةً للأطماع التركية، فضلاً عن إمكانية الضغط عبر ورقة الجاليات والأقليات التركية".

وقال محمد فوزي الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي لـ"العربية.نت" إن "مساعي أنقرة في توظيف الجاليات التركية لابتزاز الدول الأوروبية تتجسد فيما ذكره الرئيس التركي مثلاً قبل سنوات عندما حثّ الأتراك المقيمين في أوروبا إلى إنجاب 5 أطفال واعتبر حينها أنهم مستقبل أوروبا وذلك بعد منع أنصاره في أوروبا من عقد لقاءاتٍ مع مسؤولين أتراك خلال استفتاء إبريل 2017 والذي مكّن أردوغان لاحقاً من تغيير طريقة نظام الحكم في تركيا".

وأضاف أن "هذه المقاربة التركية إزاء جالياتها في أوروبا تهدد الجانب الأوروبي من زاويتين، فالأولى تتمثل في توجه بعض الأتراك الأوروبيين إلى تأسيس أحزاب سياسية تتفق مع توجهات الحزب التركي الحاكم في البلدان التي يُقيمون بها، وهو ما تجسد في حالة ميكاييل يوكسيل، السياسي السويدي صاحب الأصول التركية والمرتبط بعلاقات قوية مع تنظيم الذئاب الرمادية التركية، والذي أسس حزباً سياسياً في السويد يُدعى نيانس في العام 2019، وهو بذلك يعكس سعي الدوائر التركية المقربة من أردوغان في أوروبا لاختراق الحياة السياسية الأوروبية والتعبير عن مصالح أنقرة فيها".

وتابع: "أما الزاوية الثانية من التهديد، فتتمثل في إمكانية قيام بعض العناصر التركية في أوروبا خصوصاً أولئك الذين لهم مرجعيات قومية وثانية متطرفة بالإقدام على شن هجمات وعمليات إرهابية في البلدان الأوروبية لاسيما في أوقات التوتر في العلاقات التركية – الأوروبية، وباعتقادي أن أردوغان حقق نجاحاً نسبياً في هذه المحاولات وكان يمكنه أن ينجح في ذلك أكثر لولا القرارات الأوروبية المضادة كتوجّه النمسا وفرنسا وألمانيا إلى حظر أنشطة تنظيماتٍ تركية أهمها الذئاب الرمادية، ومحاولات هذه الدول الحدّ من أنشطة رئاسة الشؤون الدينية التركية في أوروبا والتوجّه لتشكيل مؤسسات أوروبية تهتم بأمور الجليات المسلمة".

كما رأى الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي أن "تلك الإجراءات الأوروبية، تُضيق الخناق على مساعي تركيا في توظيف هذه الجاليات، لكنها لا تساهم في منعها كليّاً، وبالتالي بإمكان العناصر التركية المتطرفة شنّ هجمات إرهابية تهدد الأمن الأوروبي خاصة وأن الذئاب الرمادية تحاول التحرر من القيود التنظيمية بعد حظر أنشطتها في عددٍ من البلدان الأوروبية".

ويعد "اتحاد الديمقراطيين الدوليين" الذي تطرّق المركز السويدي في تقريره أنشطته، الأكثر تأثيراً على الجاليات التركية في دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب مؤسسات أخرى تنفذ سياسات أنقرة على الأراضي الأوروبية. كما أن لهذا الاتحاد تأثيره على الجاليات المسلمة التي تنحدر من دول الشرق الأوسط. ويتخذ من مدينة كولونيا الألمانية مقرّاً له، وهو يحظى بدعمٍ مالي وسياسي وديبلوماسي من أنقرة وتحديداً من حزب "العدالة والتنمية" رغم أن هذا الاتحاد في الأساس هو تحالف عددٍ من منظمات المجتمع المدني الأوروبية.

وكان الرئيس التركي قد طالب هذا الاتحاد بتكثيف جهوده أكثر في محاولة لتعبئة مختلف الجاليات المسلمة ضد الحكومات الأوروبية، مهدداً الدول الأوروبية في الوقت ذاته بأن أبناء هذه الجاليات سوف "يسقطون مؤامرتها على رؤوسها"، وذلك خلال كلمته الموجّهة لمسؤولين في "اتحاد الديمقراطيين الدوليين" في 24 شباط/فبراير الماضي وهو اليوم الذي انتخب فيه الاتحاد رئيساً جديداً.

وسبق للسلطات الألمانية أن اتهمت هذا الاتحاد في العام 2017 بالتورط في عمليات تجسسٍ لصالح أنقرة. كما صنّفته برلين كمجموعة "غير متوافقة مع النظام الدستوري الألماني"، لكنه مع ذلك يستمر في أنشطته في 17 دولةٍ أوروبية عن طريق مكاتبه المنتشرة في هذه الدول وتعاونه مع منظماتٍ أخرى. وقد اُنتخب كوكصال كوش رئيساً لهذا الاتحاد أواخر فبراير الماضي.

ويبلغ تعداد حاملي الجنسية التركية من المقيمين في دول الاتحاد الدولي والحاصلين على جنسياتها أكثر من 6 ملايين. وقد تضاعفت نسبة المهاجرين الأتراك بصورة ملفتة خلال آخر 5 سنوات، بحسب هيئة الإحصاء التركية التي كشفت في وقتٍ سابق هذا العام أن زيادة معدّلات الهجرة ارتفعت بمعدل 20% منذ العام 2018.