شاهد كيف تنطلق شرارة احتجاجات السودان بـ"زغرودة الكنداكة"
لم تتوقف التظاهرات بالسودان منذ إجراءات الـ25 من أكتوبر مطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، وكما كانت المرأة هي العنصر البارز في ثورة ديسمبر والتي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مازالت تحتفظ بدورها
لم تتوقف التظاهرات بالسودان منذ إجراءات الـ25 من أكتوبر مطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، وكما كانت المرأة هي العنصر البارز في ثورة ديسمبر والتي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مازالت تحتفظ بدورها الثابت في قيادة المواكب والتظاهرات، فزغرودة الكنداكة (وهي الملكة في حضارة السودان القديمة)، تمثل صافرة انطلاق التظاهرات.
دور قيادي
بالإضافة لمساهمتها في الإعداد لكل موكب قبل موعده بأيام من إعداد للأطعمة والمشروبات وكذلك الكمامات والمواد التي تقي الغاز المسيل للدموع محلية الصنع (مكونة من الخل والخميرة)؛ تقود المرأة في السودان التظاهرات وتتقدمها، وظهرت في الآونة الأخيرة صوراً عديدة لشابات يتقدمن المواكب ويقرعن الطبول، ثم ينشدن هتافات ثورية لبث الحماس وسط المتظاهرين.
وتداول عدد من النشطاء صوراً لشابة تدعى "جوجو" وهي تتقدم موكباً لطالبات بالمرحلة الثانوية، واجهت بعدها سيلاً من الانتقاد على شكلها وطريقتها، مما دفعها للتعليق قائلةً إنه لا الشكل ولا اللبس يعطي الحق لشخص بتصنيفها، على الجانب الآخر أيّد كثيرون شجاعتها وإقدامها ووصفوا ما واجهته من البعض بالتنمر المرفوض جملة وتفصيلا.
صائدة البمبان
عندما يقترب المتظاهرون من الوجهة المحددة تحاول القوات الأمنية تفريقهم وذلك بإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع فيعيدون تلك العبوات للقوات في كرٍ وفر، هذا الدور كان يقتصر فقط على الشباب حتى كسرت رفقة عبدالرحمن المعروفة بـ "صائدة البمبان" تلك القاعدة وأصبحت تُسابق الشباب على حمل العبوات ثم إعادتها حتى صار الموضوع طبيعياً لعدد كبير من الشابات اللواتي يتواجدن في الخطوط الأمامية، ويقدمن على هذه الخطوة بكل ثبات.
دور طبي
الكوادر الطبية أيضاً من النساء متواجدات بقوة في إسعاف الجرحى والمصابين، داخل ساحة التظاهر بنقاط معروفة للمتظاهرين يتم تحديدها مسبقاً، يقدمن الإسعافات الأولية وينقلن إلى المستشفى من يستوجب نقله عبر سيارات الإسعاف، حيث يتم تجهيز فتيات في وقت سابق وتدريبهن ومن ثم تسليحهن بالمعدات الطبية اللازمة، يُتعمد إخفاء هوية المسعفات حتى لا يتعرضن لأي مضايقات من الأجهزة النظامية وفي هذا الخصوص تقول د. عبير ضرار لـ العربية.نت: "في السابق كانت هناك عيادات بها رموز واضحة للتعريف بها، وكانت جميع الأطقم الطبية ترتدي زياً موحداً لسهولة إيجادهم ولكن بعد استهداف القوات الأمنية لتلك العيادات أصبح من الضروري إخفاؤها".
وفي جانب الطب النفسي أنشأت الدكتورة هند النعيم مبادرة "أمان" للصحة النفسية، وخصصت قسما خاصا حمل اسم "فضفضة"، يضم عدداً من طبيبات الاختصاص في علم النفس لتقديم الدعم اللازم للذين يعانون من اضطرابات جراء المشاهد العنيفة التي تصاحب التظاهرات، ومع ظهور مزاعم عن حالات تحرش واغتصاب على محيط القصر الجمهوري قالت د. هند لـ العربية.نت: "نسبة لحساسية هذا الأمر فإننا نعمل بهدوء للوصول إلى الضحيات لتقديم الاستشارة الناجعة وصولاً للعلاج الكامل".
وفي وقت سابق أصدرت مجموعة من المنظمات المحلية والأجسام الحقوقية بياناتٍ أدانت فيها مزاعم الاغتصاب على محيط القصر الجمهوري، وقد وثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (وحدة حكومية) حالتي اغتصاب في تظاهرات 19 ديسمبر الماضي، إحداهن استدعت تدخلاً جراحياً. تزامناً مع هذه الأحداث أقيم عدد من الوقفات الاحتجاجية، المنددة بالانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، وأصدر مجلس السيادة الانتقالي بياناً قال فيه: إنه وجه السلطات المختصة بفتح تحقيق بشأن مزاعم الاغتصاب على محيط القصر الجمهوري.
نكوص عن المكتسبات
واعتبر عدد من المنظمات الطوعية والمبادرات المختصة بالدفاع عن حقوق المرأة أن هناك تراجعا حكوميا واضحا عما انتزعته المرأة من حقوق في ثورة ديسمبر وقالت سُليمى إسحق الخليفة مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة: "إننا سنستمر في مناصرة قضايا النساء وإيجاد حلول بديلة في غياب حكم القانون والمسؤولية المؤسسية لدى الكثير من الأجهزة الفاعلة في منع العنف ضد النساء والاستجابة له".
وقالت القيادية بالتحالف النسوي السوداني د. مريم عزالدين لـ العربية.نت: "تراجعت أوضاع المرأة السودانية خصوصاً بعد أحداث 25 أكتوبر، تَمثل ذلك في العنف ضد المرأة والانتهاكات التي ظهرت في مواكب 19 ديسمبر وهي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا العنف مما أدى لسقوط شهيدات بينهن طفلات؛ انتهت الثقة في جهاز العدالة مما اضطر التحالف النسوي السوداني لتصعيد القضية دولياً" وأضافت د. مريم: "إن وقف القرارات الخاصة بتحسين أوضاع المرأة وجهود تنفيذ القضايا التي وعدت بها الوثيقة الدستورية يُفسر ردة الفعل القوية للنساء ووجودهن في قيادة لجان المقاومة حاليا".
ورأت المهندسة أميرة عثمان حامد رئيسة "مبادرة لا لقهر النساء" أن السلطة الحاكمة لم يكن لها دور من الأساس حتى تتقاعس عنه وقالت لـ العربية.نت: "إن الحكومة دعمت كل السياسات التي تقهر النساء وأولها السياسات الاقتصادية التي تقهرها بالجوع والفقر ومزيداً من الحرب والنزوح، إضافة إلى القوانين ورفع الدعم عن التعليم والصحة"، وأضافت أن كل هذه السياسات رفعت نسبة الوفيات في الأمهات مما وضع السودان من بين أعلى 5 دول في المحيط.
أما عن المبادرة قالت م. أميرة إنها تكونت من مجموعة رجال ونساء وشاركت في حملة" الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة وقادت فيها مواكباً وتظاهرات".
تمثيل ناقص
لا تزال بعض الأجسام النسوية متخوفة من التمثيل الناقص للنساء في مراكز صنع القرار العليا مما شكل تحدياً دفعها لاقتراح حملة اسمتها "خشي اللجنة"، والتي تشجع مشاركة النساء في عمليات البناء القاعدي ولجان المقارمة في الأحياء الأمر الذي سينتج عنه تمكين القيادات النسائية من التنافس على القيادة السياسية في مواضع صنع القرار.